تعليم الإمام الصادق
جابر علم الكيمياء
توجّه
الإنسان في عصرنا الحاضر إلى ميدان العمل ، مصمِّماً على
اجتياز المراحل العسيرة للوصول إلى رحاب المعرفة ، التي
تجرِّدُه من الأوهام المضلِّلة ، والأفكار الرديئة ،
وتنقله إلى الواقعية المجردة والحقيقة الناصعة .
فما
أحرى بنا أن ننضم إلى ركب هذا الإنسان المتطوّر ، السائر
بخُطى سريعة نحو الحياة الأفضل ، للتغلب على استبداد
الأقدار ، واستعباد الأفكار ، وإبعاد الخرافات ، والرجوع
إلى أصدق الروايات ، لنأخذ منها الدروس والعبر ،
مُتَجنِّبين الانزلاق في المهاوي السحيقة ، التي طالما
أهلكت الحرث والنسل .
فنحن في
عالم تغلي مراجله بالحقد والكراهية ، والانقسام والتعصب ،
وعلينا أن نقلع عن كل ما يُبعدنا عن المحبة ، والصدق ،
والتعاون ، والسلام .
هذه
الكلمات الموجزة نستوحيها من تعاليم الإمام جعفر الصادق
الذي يستحق إحياء ذكراه ، والانتقال إلى
عصره المتقلِّب المتجهم ، لنشاهد الأحداث والوقائع .
ونشهد
ببراءة على العباسيين كيف سرقوا الخلافة من أبناء عمومتهم
، ثم قبضوا على ناصيتها بالقوة ، وقتلوا كل من تصدَّى
للخلافة ، حتى ولو كان من أحفاد الرسول الكريم
.
أما
الإمام الصادق
فساعدَهُ حِسّه ، وشعوره ،
وعقله الراجح ، في تلك الفترة الحاسمة ، على اجتياز أقسى
مرحلةٍ تاريخية .
مدرسة
الإمام الصادق
:
يُعتبر
الإمام الصادق
صاحب مدرسة فكرية كبرى ،
كان لها وجود عالمي ، وفضل كبير على الإسلام .
فالإمام
الصادق
طلب الحكمة ، وسعى لاكتشاف أسرارها
، وغاص في عميق معانيها ، وفجَّر الينابيع بطاقة العقل ،
وصفاء النفس ، وأخذ بيد الإنسان وقاده إلى مناهل المعرفة ،
بكلِّ ما فيها من عمق وشمول .
تطبّع
الإمام الصادق
بصفات الفضل ، ومحبة العلم
، وتعلَّم من جَدِّه
أن يُطعِم حتى
لا يبقى لعياله طعاماً ، وأن يكسو حتى لا تبقى لهم كسوة .
وإن
إحصاء فضله
، وسعة علمه ، وآفاق فكره ،
وعبقريته ، ضَرْبٌ من المستحيل ، كما أنَّ الإحاطة بتاريخ
حياته
من الصعوبة بمكان .
علم الكيمياء :
لا
بُدَّ لنا ونحن في رحاب الإمام الصادق
من
الوقوف قليلاً لإلقاء نظرة عابرة على علم الكيمياء ، ودور
تلميذه جابر بن حيَّان .
الذي
أخذ عنه هذا العلم ، وسعى إلى تطويره ، وإخراجه من الجمود
، والسحر ، والشعوذة ، والتدجيل ، والخرافات ، إلى علم
يقوم على البحث والاختبار ، ويقود إلى خير الإنسانية ،
وسعادتها .
يقول
ابن النديم في الفهرست رداً على بعض المصادر المغرضة التي
شكّكت في وجود جابر واعتبرته أسطورة وهمية :
الرجل
له حقيقة ، وأمره أظهر وأشهر ، وتصنيفاته أعظم وأكثر ،
ولهذا الرجل عدداً من الكتب في مذهب الشيعة .
وتؤكد
المصادر أنَّ جابراً كان حقيقة وليس أسطورة ، وأنه عاش في
النصف الأول من القرن الثامن للميلاد .
وهناك
إجماع وتأكيد على اتصاله بـ( البرامكة ) ، الذين كانوا
يحافظون على ( التقية ) ، في علاقاتهم بالإمام الصادق
.
ويقول
ابن النديم أيضاً : كان جابر بن حيَّان رياضياً ،
وفيلسوفاً ، وكيميائياً ، وعالماً بالفلك ، وطبيباً .
له
مؤلفات في المنطق ، والفلسفة ، وعلم الباطن ، وغَالى بعضهم
فَنَسب إليه اختراع الجبر .
إن هذه
الثقافة الموسوعية يصفها جابر في أنه تلقَّاها من سيده
الإمام جعفر الصادق
، ويردُّها جميعها إلى
مُلهِمِه الذي يطلق عليه اسم ( معدن الحكمة ) .
ونقول :
إنَّ لجابر مؤلفات عديدة في مختلف العلوم ، وقد تكون
رسالته في التربية ، وبيان العلاقة بين المعلم والمتعلم
أهم ما كتبه .
وتعتبر
من روائع الآثار التربوية ، ففيها فصَّل جابر واجبات وحقوق
كل من المدرِّس والتلميذ ، ويلتقي فيها مع أحدث الأساليب
للدول الحضارية المتقدمة ، صاحبة الأولية في الثقافة ،
والعلوم ، والآداب .
ومن
الواضح أنَّ جابر ين حيَّان لم يكن الوحيد الذي تَتَلمذ
على يد الإمام الصادق
.
فهناك
العديد من العلماء ، والفقهاء ، وأصحاب المذاهب ، انتسبوا
إلى مدرسته
، ودرسوا على يده الفقه ،
والحديث ، وعلم الكلام ، والمنطق ، والفلسفة ، واللغة ،
والآداب .
والفضل
كل الفضل لهذا المُعلِّم الحكيم ، الذي كرَّس حياته لخدمة
الإسلام دون تمييزٍ بين فِرَقِه ، وطوائفه ، ومذاهبه .
كيمياء ابن حيَّان :
لا
بُدَّ لنا من عودة إلى كيمياء جابر ، وأقواله عن المعادن
وطبيعتها ، وأجناسها ، وأصلها ، وكيفية صهرها ، وإذابتها ،
وتحليلها ، وتحويلها .
وقد
أيَّد ابن سينا ما ذكره جابر ، ولكنَّه ذهب إلى العمق في
تأويلها ، وأفصح عن وجهها وجوهرها ، في كتابه ( الشفاء )
قائلاً : إن المعادن كالنفوس ، فمنها الغث والثمين ،
والنافع والضار ، والنفيس والخسيس ، ويأتي ( الإكسير )
معها .
وقد
بالغوا بالحديث عنه ، ووصفوه أنه يحوِّل المعادن كلياً ،
وينقلها من الخسيس إلى النفيس .
ويروي
لنا جابر أنَّه استعمله في الطب ، وشفى به أمراضاً مستعصية
مزمنة ، وهنا يقول ابن سينا في كتابه المذكور : من
المستحيل تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة بواسطة (
الإكسير ) ، ولكن بالإمكان بواسطته إدخال التحسينات على
بعض المعادن ، وإعطائها البريق ، واللمعان ، لكي تصبح في
مستوى المعادن الأصيلة .
وابن
سينا هنا يؤيد أقوال الشيعة ، ويتفق مع جابر في تشبيه (
الإكسير ) بالعلوم الإمامية ، الصادرة إلى المستجيب .
فإنها
تصقل نفسه ، وتغيِّر واقعه ، وتجعله كالجوهرة النقيَّة
الصافية ، المتطلعة أبداً إلى الحُبِّ ، والخير ، والجمال
، ولعلَّ التأويل والرمز ، والمثل والمَمثول ، تدخل في
موضوع ( الإكسير ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق